فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآَيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ}
أنزل الله هذه الآية على وجه التسلية لنبيِّه صلى الله عليه وسلم لِمَا كان يمسُّه من مقاساة الشِّدَّة من قومه، فإنَّ أيامَ نوحٍ- وأنْ طالَت- فما لَبِثَتْ كثيرًا إلا وقد زالت، كما قيل:
وأحْسَن شيءٍ في النوائب أنها ** إذا هي نابت لم تكن خلدا

ثم بيَّنَ أنه كان يتوكل على ربِّه مهما فعلوا. ولم يحتشم عبدٌ- ما وَثِقَ بربِّه- منْ كلِّ ما نَزَلَ به. ثم إن نوحًا عليه السلام قال: {إني توكلت على الله} وهذا عين التفرقة، وقال لنبيِّه صلى الله عليه وسلم: {يَا أَيُّهَا النبي حَسْبُكَ اللَّهُ} [الأنفال: 64] وهذا عين الجمع فبانت المزية وظهرت الخصوصية. اهـ.

.تفسير الآية رقم (72):

قوله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (72)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ثم سبب عن ذلك قوله: {فإن توليتم} أي كلفتم أنفسكم الإعراض عن الحق بعد عجزكم عن إهلاكي ولم ينفعكم علمكم بأن الذي منعني- وأنا وحدي- منكم وأنتم ملء الأرض له العزة جميعًا وأن من أوليائه الذين تقدم وعده الصادق بأنهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون: {فما} أي فلم يكن توليكم عن تفريط مني لأني سقت الأمر على ما يحب، ما: {سألتكم} أي ساعة من الدهر، وأغرق في النفي فقال: {من أجر} أي على دعائي لكم يفوتني بتوليكم ولا تتهموني به في دعائكم.
ولما كان من المحال أن يفعل عاقل شيئًا لا لغرض، بين غرضه بقوله مستأنفًا: {إن} أي ما: {أجري إلا على الله} أي الذي له صفات الكمال؛ ثم عطف عليه غرضًا آخر وهو اتباع الأمر خوفًا من حصول الضر فقال: {وأمرت} أي من الملك الأعلى الذي لا أمر لغيره، وبناه للمفعول للعلم بأنه هو الآمر وليزيد في الترغيب في المأمور به وتغطية بجعله عمدة الكلام بإقامته مقام الفاعل فقال: {أن أكون} أي كونًا أتخلق به فلا أنفك عنه؛ ولما كان في مقام الاعتذار عن مفاجأته لهم بالإنذار، عبر بالإسلام الذي هو الأفعال الظاهرة فقال: {من المسلمين} أي الراسخين في صفة الانقياد بغاية الإخلاص، لي ما لهم وعليّ ما عليهم، أنا وهم في الإسلام سواء، لا مرية لي فيه أتهم بها، أن أستسلم لكل ما يصيبني في الله، لا يردني ذلك عن إنفاذ أمره، والحاصل أنه لم يكن بدعائه إياهم في موضع تهمة، لا سألهم غرضًا دنيويًا يزيده إن أقبلوا ولا ينقصه إن أدبروا، ولا أتى بشيء من عند نفسه ليظن أنه أخطأ فيه ولا سلك به مسلكًا يظن به استعباده إياهم في اتباعه، بل أعلمهم بأنه أول مؤتمر بما أمرهم به مستسلم لما دعاهم إليه ولكل ما يصيبه في الله. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

قوله تعالى: {فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ}
قال المفسرون: هذا إشارة إلى أنه ما أخذ منهم مالًا على دعوتهم إلى دين الله تعالى ومتى كان الإنسان فارغًا من الطمع كان قوله أقوى تأثيرًا في القلب.
وعندي فيه وجه آخر وهو أن يقال: إنه عليه السلام بين أنه لا يخاف منهم بوجه من الوجوه وذلك لأن الخوف إنما يحصل بأحد شيئين إما بإيصال الشر أو بقطع المنافع، فبين فيما تقدم أنه لا يخاف شرهم وبين بهذه الآية أنه لا يخاف منهم بسبب أن يقطعوا عنه خيرًا، لأنه ما أخذ منهم شيئًا فكان يخاف أن يقطعوا منه خيرًا.
ثم قال: {إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَى الله وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ المسلمين} وفيه قولان: الأول: أنكم سواء قبلتم دين الإسلام أو لم تقبلوا، فأنا مأمور بأن أكون على دين الإسلام.
والثاني: أني مأمور بالاستسلام لكل ما يصل إلي لأجل هذه الدعوة.
وهذا الوجه أليق بهذا الموضع، لأنه لما قال: {ثُمَّ اقضوا إِلَىَّ} بين لهم أنه مأمور بالاستسلام لكل ما يصل إليه في هذا الباب، والله أعلم. اهـ.

.قال الماوردي:

{فَمَا سَأَلْتُكُم مِنْ أَجْرٍ}
يحتمل وجهين:
أحدهما: فما سألتكم من أجر تستثقلونه فتمتنعون من الإجابة لأجله،: {إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ}.
والثاني: فما سألتكم من أجر إن انقطع عني ثقُل علي.
{إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ} وقد حصل بالدعاء لكم إن أجبتم أو أبيتم.
{أمِرتُ أن أكونَ مِنَ المُسْلِمينَ} أي من المستسلمين لأمر الله بطاعته. اهـ.

.قال ابن عطية:

{فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ}
المعنى فإن لم تقبلوا على دعوتي وكفرتم بها وتوليتم عنها، والتولي أصله في البدن ويستعمل في الإعراض عن المعاني، يقول: فأنا لم أسألكم أجرًا على ذلك ولا مالًا، فيقع منكم قطع بي وتقصير بإرادتي، وإنما أجري على الذي بعثني، وقرأ نافع وأبو عمرو بخلاف عنه: {أجري} بسكون الياء، وقرأ: {أجريَ} بفتح الياء الأعرج وطلحة بن مصرف وعيسى وأبو عمرو، وقال أبو حاتم: هما لغتان، والقراءة بالإسكان في كل القرآن، ثم أخبرهم بأن الله أمره بالإسلام والدين الحنيفي الذي هو توحيد الله والعمل بطاعته والإعداد للقائه. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِّنْ أَجْرٍ} أي فإن أعرضتم عما جئتكم به فليس ذلك لأني سألتكم أجرًا فيثقل عليكم مكافأتي.
{إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الله} في تبليغ رسالته.
{وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ المسلمين} أي الموحدين لله تعالى.
فتح أهل المدينة وأبو عمرو وابن عامر وحفص ياء {أجرِيَ} حيث وقع، وأسكن الباقون. اهـ.

.قال الخازن:

{فإن توليتم} يعني فإن أعرضتم عن قولي وقبول نصحي: {فما سألتكم من أجر} يعني من جعل وعوض على تبليغ الرسالة فإذا لم يأخذ على تبليغ الدعوة إلى الله شيئًا كان أقوى تأثيرًا في النفس: {إن أجري إلا على الله} أي: ما ثوابي وجزائي على تبليغ الرسالة إلا على الله: {وأمرت أن أكون من المسلمين} يعني أني أمرت بدين الإسلام وأنا ماض فيه غير تارك له سواء قبلتموه أم لم تقبلوه وقيل معناه وأمرت أن أكون من المستسلمين لأمر الله ولكل مكروه يصل إلي منكم لأجل هذه الدعوة. اهـ.

.قال أبو السعود:

{فَإِن تَوَلَّيْتُمْ} الفاءُ لترتيب التولِّي على ما سبق فالمرادُ به إما الاستمرارُ عليه وإما إحداثُ التولّي المخصوصِ، أي إن أعرضتم عن نصيحتي وتذكيري إثرَ ما شاهدتم مني من مخايل صحةِ ما أقول ودلائلِها التي من جملتها دعوتي إياكم جميعًا إلى تحقيق ما تريدون بي من السوء غيرَ مبالٍ بكم وبما يأتي منكم وإحجامُكم من الإجابة علمًا منكم بأني على الحق المبين مؤيدٌ من عند الله العزيز: {فَمَا سَأَلْتُكُمْ} بمقابلة وعظي وتذكيري: {مِنْ أَجْرٍ} تؤدّونه إلي حتى يؤدي ذلك إلى توليكم إما لاتهامكم إياي بالطمع والسؤالِ وإما لثقلِ دفع المسؤولِ عليكم أو حتى يضرّني توليكم المؤدِّي إلى الحرمان، فالأولُ لإظهار بطلان التولي ببيان عدمِ ما يصححه والثاني لإظهار عدم مبالاتِه عليه السلام بوجوده وعدمه، وعلى التقديرين فالفاء الجزائيةُ لسببية الشرطِ لإعلام مضمونِ الجزاءِ لا لنفسه، والمعنى إن توليتم فاعلموا أن ليس في مصحِّح له ولا تأثّرٍ منه وقوله عز وجل: {إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَى الله} ينتظم المعنيين جميعًا خلا أنه على الأول تأكيدٌ وعلى الثاني تعليلٌ لاستغنائه عليه السلام عنه أي ما ثوابي على العِظة والتذكير إلا عليه تعالى يُثيبني به آمنتم أو توليتم: {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ المسلمين} المنقادين لحكمه لا أخالف أمرَه ولا أرجو غيرَه أو المستسلمين لكل ما يصيب من البلاء في طاعة الله تعالى. اهـ.

.قال الألوسي:

{فَإِن تَوَلَّيْتُمْ} أي بقيتم على إعراضكم عن تذكيري أو أحدثتم إعراضًا مخصوصًا عن ذلك بعد وقوفكم على أمري ومشاهدتكم مني ما يدل على صحة قولي: {فَمَا سَأَلْتُكُمْ} بمقابلة تذكيري ووعظي: {مِنْ أَجْرٍ} تؤدونه إلي حتى يؤدي ذلك إليكم إلى توليكم إما لاتهامكم إياي بالطمع أو لثقل دفع المسؤول عليكم أو حتى يضرني توليكم المؤدي إلى الحرمان فالأول لإظهار بطلان التولي ببيان عدم ما يصححه والثاني لإظهار عدم مبالاته عليه السلام بوجوده وعدمه، وعلى التقديرين فالفاء الأولى لترتب هذا الشرط على الجزاء قبله والفاء الثانية لسببية الشرط للإعلام بمضمون الجزاء بعده كما ذكره بعض المحققين، أي إن توليتم فاعلموا أن ليس في مصحح له أولًا تأثر منه على حد ما قيل في قوله تعالى: {وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ على كُلّ شَئ قَدُيرٌ} [الأنعام: 17].
وذهب بعضهم إلى أن جواب الشرط محذوف أقيم ما ذكر وهو علته مقامه أي فلا باعث لكم على التولي ولا موجب له أو فلا ضير علي بذلك، وكلام البعض مشعر بأنه مع اعتبار الحذف والإقامة المذكورين يجئ حديث اعتبار سببية الشرط للإعلام وهو الذي يميل إليه الذوق و: {مِنْ} زائدة للتأكيد أي فما سألتكم أجرًا، وقوله تعالى: {إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَى الله} تأكيد لما قبله على المعنى الأول وتعليل لاستغنائه عليه السلام على المعنى الثاني أي ما ثوابي على العظة والتذكير إلا عليه تعالى يثبني بذلك آمنتم أو توليتم، وقوله سبحانه: {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ المسلمين} تذييل على ما قيل لمضمون ما قبله مقرر له، والمعنى وأمرت بأن أكون منتظمًا في عداد المسلمين الذين لا يأخذون على تعليم الدين شيئًا ولا يطلبون به دنيا، وفيه حمل الإسلام على ما يسارق الإيمان واعتبار التقييد، وعدل عنه بعضهم لما فيه من نوع تكلف فحمل الإسلام على الاستسلام والانقياد ولم يقيد، أي وأمرت بأن أكون من جملة المنقادين لحكمه تعالى لا أخالف أمره ولا أرجو غيره، وفيه على هذا المعنى أيضًا من تأكيد ما تقدم وتقرير مضمونه ما لا يخفى، ولا يظهر أمر التأكيد على تقدير أن يكون المعنى من المستسلمين لكل ما يصيب من البلاء في طاعة الله تعالى ظهوره على التقديرين السابقين، وبالجملة أنه عليه السلام لم يقصر في إرشادهم بهذا الكلام وبلغ الغاية القصوى فيه.
وذكر بعضهم وجه نظمه على هذا الأسلوب على بعض الأوجه المحتملة فقال: إنه عليه الصلاة والسلام قال في أول الأمر: {فَعَلَى الله تَوَكَّلْتُ} [يونس: 71] فبين وثوقه بربه سبحانه أي إني وثقت به فلا تظنوا بي أن تهديدكم إياي بالقتل والإيذاء يمنعني من الدعاء إلى الله تعالى، ثم أورد عليهم ما يدل على صحة دعواه فقال: {فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ} [يونس: 71] كأنه يقول: أجمعوا كل ما تقدرون عليه من الأشياء التي توجب حصول مطلوبكم ثم لم يقتصر على ذلك بل أمرهم أن يضيفوا إلى أنفسهم شركاءهم الذين كانوا يزعمون أن حالهم يقوى بمكانهم وبالتقرب إليهم ثم لم يقتصر على هذين بل ضم إليهما ثالثًا وهو قوله: {ثُمَّ لاَ يَكُونُواْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً} [يونس: 71] فأراد أن يسعوا في أمره غاية السعي ويبالغوا فيه غاية المبالغة حتى يطيب عيشهم، ثم لم يقتصر على ذلك حتى ضم إليه رابعًا فقال: {ثُمَّ اقضوا إِلَىَّ} [يونس: 71] آمرًا لهم بأداء ذلك كله إليه، ثم ضم إلى ذلك خامسًا: {وَلاَ تُنظِرُونَ} [يونس: 71] فنهاهم عن الإمهال وفي ذلك من الدلالة على أنه عليه الصلاة والسلام قد بلغ الغاية في التوكل على الله سبحانه وأنه كان قاطعًا بأن كيدهم لا يضره ولا يصل إليه وأن مكرهم لا ينفذ فيه ما هو أظهر من الشمس وأبين من أمس، ثم إنه عليه السلام أراد أن يجعل الحجة لازمة عليهم ويبرئ ساحته فنفي سؤاله إياهم شيئًا من الأجر وأكد ذلك بأن أجره على الله سبحانه لا على غيره مشيرًا إلى مزيد كرمه جل جلاله وأنه يثيبه على فعله سأله أو لم يسأله ولذا لم يقل إن سؤالي الأجر إلا من الله تعالى، ثم لم يكتف بذلك حتى ضم إليه أنه مأمور بما يندرج فيه عدم سؤالهم والالتفات إلى ما عندهم وأن يتصف به على أتم وجه لأن: {مِنَ المسلمين} أبلغ من مسلمًا كما تحقق في محله وفي ذلك قطع ما عسى أن يحول بينهم وبين إجابة دعوته والاتعاظ بعظته إلا أن القوم قد بلغوا الغاية في العناد والتمرد. اهـ.